بسم الله الرحمن الرحيم
تناول الدرس الإجابة على هذا السؤال:ماذا يعني تكليف الأمة شرعاً بإيجاد طائفة منصورة, مجاهدة, آمرة بالمعروف, ناهية عن المنكر ؟ ثم استنفر القادرين على البذل والعطاء في شتى النواحي وناشدهم أن يتقدموا ولا يتركوا أماكنهم للأدعياء أو من ليس بأهل له، ونبه على خطأ في مفهوم الورع عند البعض.
ماذا يعني تكليف الأمة شرعاً بإيجاد طائفة منصورة, مجاهدة, آمرة بالمعروف, ناهية عن المنكر ؟؟
يعني: مطالبة القادرين, والأكفاء أن يقوموا بواجبهم: فالشاب الذي يأنس من نفسه قدرة على الحفظ, أو التفقه, أو الدعوة, أو الإصلاح من خلال: منبر, أو موقع, أو مسئولية؛ لا يتخلى إيثاراً للسلامة, أو طلباً للعاجل, أو انكفاء على نفسه، بل ينـزل للميدان الكبير الذي لازال ينـتظر فرسانه ، ويتطلع إليهم بفارغ الصبر .
إن كل نعمة منحها الله لعبده هي: ابتلاء يسأل عنه يوم القيامة، ولكن المشكلة أن الناس يدركون ذلك في عالم الماديات, ولا يكادون يدركونه في عالم المواهب والمنن النفسية ... فالغني مثلاً: يعلم أنه مطالب بالإنفاق في سبل الخير بما لا يطالب به الفقير ، والقوي قد يدري أن في قوة جسمه حقا للضعيف والكل، وكذلك البصير مع الأعمى، والصحيح مع المريض ... ولكن: كم من الناس يشعرون بالمواهب الربانية في عقولهم التي منحوها, فيستخدمونها لنصرة الحق والدفاع عنه ؟ وكم من الناس من يوجه نعمة الفصاحة والبيان التي أوتيها للدعوة إلى الإسلام ، وفضح أعدائه ؟ وكم ... وكم ... أيظن أحد أن حساب الغني يوم القيامة كحساب الفقير ؟ أو أن حساب الذكي كحساب الغبي والبليد ؟ أو حساب الفصيح كحساب العيي ؟ أو حساب الشجاع كحساب الجبان؟إذاً فليقرأ قوله تعالى: } وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [165] { سورة الأنعام. وفي الآية تسلسل عجيب: فالحقيقة الأولى: } جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ { فالبشر: خلفاء استخلفهم الله في الأرض؛ لينظر كيف يعملون، وأصل وجودهم فيها هو لهذا، وهو قدر يشترك فيه جميع المكلفين . والحقيقة الثانية : } وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ { هكذا: درجات؛ لتشمل جميع أنواع التمايز, والاختلاف, والتفاوت بين الناس: في أموالهم, أو أجسامهم, أو عقولهم, أو ملكاتهم, أو مواقعهم ومسئولياتهم .. وهذه سنة إلهية محكمة: } نحن قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [32] { سورة الزخرف .
والحقيقة الثالثة : } لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ { فهذه الدرجات هي: } لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ { فكل ما رزقكم الله من المنن الظاهرة, أو الخفية, فإنما ليبلوكم به: هل تنجحون في تسخير مواهبكم للإسلام ؟ أم تضيعونها هدراً ؟ أم تجعلونها حراباً في صدور المؤمنين ؟
والحقيقة الرابعة : } إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ { فإذا استثمر العبد ما منحه الله في معصيته وتكذيب رسله؛ أسرعت إليه العقوبات في الدنيا والآخرة، وإذا بذل ما يملكه في سبيل الله تجاوز الله عما يحدث منه من سهوٍ أو تقصير؛ لأنه غفور رحيم ... فيا بؤساً لأولئك الذين ضيعوا عقولهم الكبيرة هدراً في دراسات عقيمة لا تنفع في دين, ولادنيا, وما أكثرهم ... ويا خسارة أولئك الذين طاوعهم البيان, فصاغوه قصائد غزل سخيف, غير عفيف ... يا حسرةً على العباد ! و كم يحز في النفس, ويملأ القلب أسى وكمداً: أن كثيراً من ذوي الكفاءات, والمواهب البارزة من الصالحين قد عبث بهم الشيطان، وزين لهم القعود عما أوجب الله عليهم: تارة باسم الزهد في المنصب والجاه، وتارة باسم إيثار الخمول والبعد عن الشهرة، وتارة باسم الخوف من الرياء، وتارة بحجة عدم الكفاءة وأنه يوجد من هو أفضل مني وأجدر ... ولو أتيت هذا القاعد المتثاقل, وتسللت إليه بالحديث رويداً رويداً لحدثك عن: فساد الأحوال وقلة الرجال ، وكثرة الأدعياء ، وخلو الساحة ، وتفاقم الخطب! فسبحان الله ! لمن تركت الساحة إذاً يا عبد الله ؟ ألا ترى أنه صار فرض عين عليك وأنت تأنس في نفسك قدوة في مجال ما أن تبدأ الطريق ، وتدع عنك التعليلات الواهية ؟! أو لست تقرأ في صلاتك وتقول في دعواتك : } رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[74] { سورة الفرقان فهل يجدر أن يدعو المرء بهذه الدعوة, ثم يعمل على خلافها ؟ لقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبذل الأسباب التي نستطيعها في تحصيل ما نريد, ثم ندعو الله تعالى؛ ولذلك لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة وضع العساكر, والحرس على أنقاب المدينة لئلا يتسرب الخبر إلى مكة, وبذل جميع الأسباب المادية الممكنة, ثم توجه إلى الله بالدعاء أن يعمي الأخبار عن قريش .
ومما يذكر عن عمر رضي الله عنه أنه رأى إبلاً جرباء, فسألهم : ماذا تصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها, فتدعو لها ! فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران ... إن ساحة العلم الشرعي والدعوة تشهد نقصاً شديداً ينذر بالخطر، ولا غرابة حينئذ في تصدر الأدعياء والمشبوهين, أو على الأقل : تصدر غير المؤهلين ممن طبعوا على حب الظهور ... وإنه لورع عجيب, غريب .. أفليس من الورع أن يفعل الإنسان ما يشتبه بالواجب ؟ أو ما يشتبه بالمستحب؟ فيقوم بالتعليم والدعوة والخطابة خشية أن يكون شيء من ذلك واجباً متعيناً عليه؟ أم أننا صرنا في عصر القعود ، وأصبحنا نفسر الورع: بالترك .. ترك ما يشتبه بالحرام أو يشتبه بالمكروه ؟
! من محاضرة: واجعلنا للمتقين إماما
للشيخ/ سلمان العودة
موقع مفكرة الإسلام
تناول الدرس الإجابة على هذا السؤال:ماذا يعني تكليف الأمة شرعاً بإيجاد طائفة منصورة, مجاهدة, آمرة بالمعروف, ناهية عن المنكر ؟ ثم استنفر القادرين على البذل والعطاء في شتى النواحي وناشدهم أن يتقدموا ولا يتركوا أماكنهم للأدعياء أو من ليس بأهل له، ونبه على خطأ في مفهوم الورع عند البعض.
ماذا يعني تكليف الأمة شرعاً بإيجاد طائفة منصورة, مجاهدة, آمرة بالمعروف, ناهية عن المنكر ؟؟
يعني: مطالبة القادرين, والأكفاء أن يقوموا بواجبهم: فالشاب الذي يأنس من نفسه قدرة على الحفظ, أو التفقه, أو الدعوة, أو الإصلاح من خلال: منبر, أو موقع, أو مسئولية؛ لا يتخلى إيثاراً للسلامة, أو طلباً للعاجل, أو انكفاء على نفسه، بل ينـزل للميدان الكبير الذي لازال ينـتظر فرسانه ، ويتطلع إليهم بفارغ الصبر .
إن كل نعمة منحها الله لعبده هي: ابتلاء يسأل عنه يوم القيامة، ولكن المشكلة أن الناس يدركون ذلك في عالم الماديات, ولا يكادون يدركونه في عالم المواهب والمنن النفسية ... فالغني مثلاً: يعلم أنه مطالب بالإنفاق في سبل الخير بما لا يطالب به الفقير ، والقوي قد يدري أن في قوة جسمه حقا للضعيف والكل، وكذلك البصير مع الأعمى، والصحيح مع المريض ... ولكن: كم من الناس يشعرون بالمواهب الربانية في عقولهم التي منحوها, فيستخدمونها لنصرة الحق والدفاع عنه ؟ وكم من الناس من يوجه نعمة الفصاحة والبيان التي أوتيها للدعوة إلى الإسلام ، وفضح أعدائه ؟ وكم ... وكم ... أيظن أحد أن حساب الغني يوم القيامة كحساب الفقير ؟ أو أن حساب الذكي كحساب الغبي والبليد ؟ أو حساب الفصيح كحساب العيي ؟ أو حساب الشجاع كحساب الجبان؟إذاً فليقرأ قوله تعالى: } وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [165] { سورة الأنعام. وفي الآية تسلسل عجيب: فالحقيقة الأولى: } جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ { فالبشر: خلفاء استخلفهم الله في الأرض؛ لينظر كيف يعملون، وأصل وجودهم فيها هو لهذا، وهو قدر يشترك فيه جميع المكلفين . والحقيقة الثانية : } وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ { هكذا: درجات؛ لتشمل جميع أنواع التمايز, والاختلاف, والتفاوت بين الناس: في أموالهم, أو أجسامهم, أو عقولهم, أو ملكاتهم, أو مواقعهم ومسئولياتهم .. وهذه سنة إلهية محكمة: } نحن قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [32] { سورة الزخرف .
والحقيقة الثالثة : } لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ { فهذه الدرجات هي: } لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ { فكل ما رزقكم الله من المنن الظاهرة, أو الخفية, فإنما ليبلوكم به: هل تنجحون في تسخير مواهبكم للإسلام ؟ أم تضيعونها هدراً ؟ أم تجعلونها حراباً في صدور المؤمنين ؟
والحقيقة الرابعة : } إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ { فإذا استثمر العبد ما منحه الله في معصيته وتكذيب رسله؛ أسرعت إليه العقوبات في الدنيا والآخرة، وإذا بذل ما يملكه في سبيل الله تجاوز الله عما يحدث منه من سهوٍ أو تقصير؛ لأنه غفور رحيم ... فيا بؤساً لأولئك الذين ضيعوا عقولهم الكبيرة هدراً في دراسات عقيمة لا تنفع في دين, ولادنيا, وما أكثرهم ... ويا خسارة أولئك الذين طاوعهم البيان, فصاغوه قصائد غزل سخيف, غير عفيف ... يا حسرةً على العباد ! و كم يحز في النفس, ويملأ القلب أسى وكمداً: أن كثيراً من ذوي الكفاءات, والمواهب البارزة من الصالحين قد عبث بهم الشيطان، وزين لهم القعود عما أوجب الله عليهم: تارة باسم الزهد في المنصب والجاه، وتارة باسم إيثار الخمول والبعد عن الشهرة، وتارة باسم الخوف من الرياء، وتارة بحجة عدم الكفاءة وأنه يوجد من هو أفضل مني وأجدر ... ولو أتيت هذا القاعد المتثاقل, وتسللت إليه بالحديث رويداً رويداً لحدثك عن: فساد الأحوال وقلة الرجال ، وكثرة الأدعياء ، وخلو الساحة ، وتفاقم الخطب! فسبحان الله ! لمن تركت الساحة إذاً يا عبد الله ؟ ألا ترى أنه صار فرض عين عليك وأنت تأنس في نفسك قدوة في مجال ما أن تبدأ الطريق ، وتدع عنك التعليلات الواهية ؟! أو لست تقرأ في صلاتك وتقول في دعواتك : } رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[74] { سورة الفرقان فهل يجدر أن يدعو المرء بهذه الدعوة, ثم يعمل على خلافها ؟ لقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبذل الأسباب التي نستطيعها في تحصيل ما نريد, ثم ندعو الله تعالى؛ ولذلك لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة وضع العساكر, والحرس على أنقاب المدينة لئلا يتسرب الخبر إلى مكة, وبذل جميع الأسباب المادية الممكنة, ثم توجه إلى الله بالدعاء أن يعمي الأخبار عن قريش .
ومما يذكر عن عمر رضي الله عنه أنه رأى إبلاً جرباء, فسألهم : ماذا تصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها, فتدعو لها ! فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران ... إن ساحة العلم الشرعي والدعوة تشهد نقصاً شديداً ينذر بالخطر، ولا غرابة حينئذ في تصدر الأدعياء والمشبوهين, أو على الأقل : تصدر غير المؤهلين ممن طبعوا على حب الظهور ... وإنه لورع عجيب, غريب .. أفليس من الورع أن يفعل الإنسان ما يشتبه بالواجب ؟ أو ما يشتبه بالمستحب؟ فيقوم بالتعليم والدعوة والخطابة خشية أن يكون شيء من ذلك واجباً متعيناً عليه؟ أم أننا صرنا في عصر القعود ، وأصبحنا نفسر الورع: بالترك .. ترك ما يشتبه بالحرام أو يشتبه بالمكروه ؟
! من محاضرة: واجعلنا للمتقين إماما
للشيخ/ سلمان العودة
موقع مفكرة الإسلام