الحمد لله. ما سألت عنه أمر عظيم ومرام جليل يصبو إلى معرفته كل تقي صالح يرجو الفوز برضا الله الجنة وقد حرص على معرفته الصحابة خير البشر بعد الرسل. وأي شرف أعظم وأي مرتبة أسمى من أن يكون العبد محبوبا لله عز وجل فمحبته لا تساميها محبة المخلوقين ولا تساويها محبة أحد ولو كان شريفا وإن كان العبد ليفرح بمحبة من كان له جاه وفضل في الناس من أمير وغني فكيف بمحبة الخالق المنعم المتفضل الذي أعزهم ورفعهم في الدنيا.
فهناك علامات تدل على محبة الله لعبده وهي أعمال وعبادات دلت النصوص على فضلها واتصاف فاعلها بمحبة الله فمن ذلك اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم). ومن ذلك المواظبة على أداء الفرائض والنوافل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). راه البخاري. ومن ذلك محبة المؤمنين وصحبتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس). وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (حقت محبتي للمتحابين في). رواه أحمد. ومن ذلك التقوى قال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ). ومن ذلك الصبر عند المصيبة كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ). ومن ذلك الإحسان إلى الخلق كما قال تعالى: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ). ومن ذلك التوبة والتطهر من الأحداث الحسية والمعنوية. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
ومن العلامات التي يستدل بها على محبة الله للعبد أن يحوز محبة الصالحين ويكسب مودتهم كما جاء في صحيح البخاري: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).
ومن العلامات الخفية التي لا يفطن لها الناس إبتلاء العبد في ماله ونفسه وأهله كما أخبر الرسول بذلك في قوله: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، و إن الله إذا أحب قوماً إبتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، و من سخط فله السخط ). ومع ذلك فإن من ضعفت بصيرته وقل إيمانه يسيئ الظن حال المصيبة ولا يشاهد منحة الله في هذه المحنة.
وبالجملة فإن محبة الله تنال بتقوى الله والتزام طاعته وذكره والإحسان إلى خلقه والتعلق بالآخرة والزهد بالدنيا والورع عن محارم الله والتوبة في الإساءة. فإذا كنت ملتزما بهذه الصفات أو بعضها فاعلم أن الله يحبك على حسب إخلاصك وإحسان عملك وثباتك على الحق.
وليس كثرة المال والغنى دليلا على محبة الله لمن ملكها فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولو كانت تساوي عنده شربة ماء ما سقى منها كافرا قط وقد منع الدنيا عن خليله وصفيه أشرف مخلوق محمد صلى الله عليه وسلم وآثر له الفقر والجوع فلا تحزن على فقدها وفراقها.
ومما يستدل به على غفلة العبد وبعده عن الله أن تبسط له الدنيا وتتتابع عليه الخيرات وهو مقيم على المعاصي معرض عن ابتاع الحق كحال الكفار الذين عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. كما روي في مسند أحمد: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون).
واعلم أنه كم من عبد مرفوع ومعظم في الدنيا لكنه وضيع ومخذول في الآخرة وكم من عبد وضيع بائس لا يؤبه له في الدنيا لكنه شريف وعظيم في الآخرة فلا تغتر بالأموال والمراتب والمناصب فإنها زائلة عما قريب. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.